بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِي اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ انْتَجَبَهُ لِوَلَايَتِهِ وَاخْتَصَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَأَكْرَمَهُ بِالنُّبُوَّةِ أَمِيناً عَلَى غَيْبِهِ وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ . وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلَامُ[1]

قال تعالى : {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الحشر:21)

تتضح عظمة القرآن الكريم من ملاحظة عدة أمور:

1- أنه هو كلام الله عز وجل فيكون فضله وعظمته على كلام المخلوقين كفضل الخالق على المخلوق كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: (فَضْلُ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ)[2] فلا يدانيه أي كلام آخر لنبي أو وصي نبي.

2- أنه المتكفل لهداية البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور ونيلهم للسعادة العاجل والآجل:

قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء: من الآية9)

وقال تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (إبراهيم: من الآية1) .

وقال تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران:138)

وقال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة:2) حيث هم المصدقون والمؤمنون به فيكون هداية لهم ويهديهم للطريقة الفضلى.

3- دستور الأمة التي يجب أن تطبقه وتهتدي بهديه وتمتثل بأوامره وتنتهي بنواهيه.

4- أنه صمام الأمان للأمة عن الاختلاف والتنازع إذا تمسكت به؛ قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران:103)

5- أنه سبب لنزول الرحمة على الأمة فيما إذا قرؤوه واستمعوا له وعملوا به؛ قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأعراف:204)

وقال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً} (الإسراء:45).

6- القرآن فيه خير الدنيا والآخرة: فقد روى الْحَارِثُ الهمداني قال دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فإذا أُنَاسٌ يَخُوضُونَ في أَحَادِيثَ فَدَخَلْتُ على عَلِيٍّ فقلت ألا تَرَى أن أُنَاسًا يَخُوضُونَ في الْأَحَادِيثِ في الْمَسْجِدِ؟.

فقال : قد فَعَلُوهَا .

قلت : نعم .

قال أَمَا إني سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يقول سَتَكُونُ فِتَنٌ قلت: (وما الْمَخْرَجُ منها) قال: (كِتَابُ اللَّهِ، كِتَابُ اللَّهِ فيه نَبَأُ ما قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ ما بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ ما بَيْنَكُمْ، هو الْفَصْلُ ليس بِالْهَزْلِ، هو الذي من تَرَكَهُ من جَبَّارٍ قَصَمَهُ الله، وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى في غَيْرِهِ أَضَلَّهُ الله؛ فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وهو الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وهو الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وهو الذي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، ولا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، ولا يَشْبَعُ منه الْعُلَمَاءُ، ولا يَخْلَقُ عن كَثْرَةِ الرَّدِّ، ولا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وهو الذي لم يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أن قالوا {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} هو الذي من قال بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ دَعَا إليه هدى إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، خُذْهَا إِلَيْكَ يا أَعْوَرُ)[3]

وهذه الآية المباركة تتحدث عن عظمة القرآن الكريم فبعد أن تحدث المولى سبحانه عن فِرَق المنافقين والمشركين والمنحرفين ومن كان غافلاً عن الله أراد القرآن أن يعالج تلك الانحرافات الموجودة بالفعل في زمن الرسول صلى الله عليه وآله أو التي تأتي في المستقبل ولا شك أنه بعد رحلة الرسول إلى عالم الملكوت سوف يصعب علاجها حيث عوامل الانحراف سوف تتعدد وتتطور وتتعمق والمعالجون سوف يواجهون مختلف الصعوبات في الدعوة إلى الله ويصبحون أقل كفاءة من النبي والأئمة الأطهار عليهم السلام، والسبيل الوحيد لعلاج تلك الانحرافات هو القرآن الكريم فإنه شفاء للأمراض الجسدية القالبية والأمراض القلبية والروحية ولكن لمن يؤمن به ويستشفي به فهو كتاب شفاء من كل الأمراض التي تستعصي على الأطباء بل ويستحيل علاجها قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً} (الإسراء:82) فغير المؤمن به لا يفيده ولا يزيده إلا خسارة.

َقَالَ (ص): الْقُرْآنُ غِنًى لَا غِنَى دُونَهُ وَلَا فَقْرَ بَعْدَهُ.

وَقَالَ (ص): الْقُرْآنُ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَتَعَلَّمُوا مَأْدُبَتَهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ وَهُوَ النُّورُ الْمُبِينُ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ فَاقْرَءُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْجُرُكُمْ عَلَى تِلَاوَتِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَاحِدٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ وَلَامٌ وَمِيمٌ ثَلَاثُونَ حَسَنَةً.

وَقَالَ عليه السلام الْقُرْآنُ أَفْضَلُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ دُونَ اللَّهِ فَمَنْ وَقَّرَ الْقُرْآنَ فَقَدْ وَقَّرَ اللَّهَ وَمَنْ لَمْ يُوَقِّرِ الْقُرْآنَ فَقَدِ اسْتَخَفَّ بِحُرْمَةِ اللَّهِ وَحُرْمَةُ الْقُرْآنِ عَلَى اللَّهِ كَحُرْمَةِ الْوَالِدِ عَلَى وُلْدِه‏[4]

فالآية المباركة التي ابتدأنا حديثنا بها تتحدث عن عظمة القرآن الكريم وأنه لا يقاس به غيره في تلك العظمة وأنه كلام الله العظيم وأنه المتصدي لعلاج الانحرافات الموجودة عند الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور وفي تفسير هذه الآية يوجد اتجاهان وتفسيران:

التفسير الأول:

أن الكون كله من الذرة إلى المجرة بما فيه من جماد ونبات وحيوان تشتمل على حياة وشعور وإحساس يتناسب مع حالها ولديها مسؤوليات وتكاليف ودليل على هذا ما ورد في الآية (74) من سورة البقرة في وصف جماعة من اليهود، قال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وكذلك قوله تعالى {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} (الإسراء: من الآية44) . فالجبل من تلك الأشياء التي لها تكاليفها فلو أنزل القرآن على الجبل الجماد الصلب الكبير والذي يضرب به المثل في القوة والصلابة ومع ذلك لرأيته خاشعاً متصدعاً متشققاً من خشية الله فإذا كان هذا القوي يتأثر بنزول القرآن عليه فكيف بكم أنتم أيها البشر أصحاب القلب الرقيق لا تتأثرون بمواعظه وزواجره وأوامره ونواهيه.

التفسير الثاني:

أن الله سبحانه أراد أن يضرب مثلا بالجبل الصلب العظيم الكبير وقوته وهو جماد وليس له قلب ولا شعور ولا أحاسيس ومع هذا لو أنزل عليه القرآن الكريم لرأيته خاشعاً متصدعاً متشققاً من خشية الله؛ فإذا كان الجبل بهذه الحالة فكيف بك أنت أيها الإنسان الذي لديك شعور وإحساس ومدارك وقلب لا تتأثر بالقرآن ولا تستفيد من عظمته وهدايته وشفائه وتربيته وزواجره وأوامره، لماذا أيها الإنسان لا تتحرك في مجال التربية والتعليم والبحث عن مصلحتك في العاجل والآجل، وقد ضرب الله المثل بالجبل ولم يكن حصراً فيه فالقضية كلية شاملة وإن ذكر لها مثال الجبل.

والتفسير الثاني قد أيده عدد من العلماء والمفسرين منهم:

1- الشيخ المفيد:

حيث قال في معنى خشية الجبل‏:

المسألة الثالثة والثلاثون: وسأل عن قوله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى‏ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ}

قال: وليس يخشى اللّه إلّا مكلّف يعقل، فما معنى هذا الكلام؟

والجواب عن ذلك كالمتقدّم في المسألة الأولى: وهو أنّ اللّه تعالى يخبر عن عظم قدر القرآن، وجلالة محلة وموقع وعده ووعيده، ومواعظه من القلوب فقدّر تقديرا على المثل.

وكان الكلام في ذلك مجازا ومعناه: أنّ القرآن لو أنزل على جبل في شدّته وعظمه، وكان الجبل حيّا مع ذلك عاقلا ففهمه وعرف معانيه لا نصدع مع شدّته وانخشع مع صلابته من خشية اللّه.

ألا ترى إلى قوله في صلة الكلام: {وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.

فبيّن أنّ ذلك مثل نبّه به على عظم محلّ القرآن وما يجب أن يكون الإنسان عليه عند سماعه وتدبّره من الحذر من اللّه تعالى والخشوع له والطاعة والخضوع[5]

2- الشيخ الطوسي:

حيث قال:

يقول اللَّه تعالى معظماً لشأن القرآن الذي أنزله عليه مكبراً لحاله في جلالة موقعه بأنه لو أنزل القرآن على جبل لرئي الجبل خاشعاً، والمراد به المثل، وتقديره لو كان الجبل مما ينزل عليه القرآن ولو شعر به - مع غلظه وجفاء طبعه وكبر جسمه - لخشع لمنزله تعظيماً لشأنه ولتصدع من خشيته، فالإنسان أحق بهذا لو عقل الأحكام التي فيه.

والتصدع التفرق بعد التلاؤم، ومثله التفطر يقال: صدعه يصدعه صدعا فهو صادع وذاك مصدوع ومنه الصداع في الرأس وهو معروف، وتصدع تصدعا وانصدع انصداعاً فبين انه على وجه المثل بقوله {وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} ومعناه ليتفكروا، لان (لعل) بمعنى الشك، والشك لا يجوز على اللَّه.[6]

3- السيد الطباطبائي:

حيث قال:

قوله تعالى: «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى‏ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ» إلخ، في المجمع،: التصدع التفرق بعد التلاؤم ومثله التفطر انتهى.

والكلام مسوق سوق المثل مبني على التخييل والدليل عليه قوله في ذيل الآية: «وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ» إلخ.

والمراد تعظيم أمر القرآن بما يشتمل عليه من حقائق المعارف وأصول الشرائع والعبر والمواعظ والوعد والوعيد وهو كلام الله العظيم، والمعنى: لو كان الجبل مما يجوز أن ينزل عليه القرآن فأنزلناه عليه لرأيته - مع ما فيه من الغلظة والقسوة وكبر الجسم وقوة المقاومة قبال النوازل - متأثرا متفرقا من خشية الله فإذا كان هذا حال الجبل بما هو عليه فالإنسان أحق بأن يخشع لله إذا تلاه أو تلي عليه، وما أعجب حال أهل المشاقة والعناد لا تلين قلوبهم له ولا يخشعون ولا يخشون.

والالتفات من التكلم مع الغير إلى الغيبة في قوله: «مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ» للدلالة على علة الحكم فإنما يخشع ويتصدع الجبل بنزول القرآن لأنه كلام الله عز اسمه.

وقوله: «وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» من وضع الحكم الكلي موضع الجزئي للدلالة على أن الحكم ليس ببدع في مورده بل جار سار في موارد أخرى كثيرة.

فقوله: «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى‏ جَبَلٍ» إلخ، مثل ضربه الله للناس في أمر القرآن لتقريب عظمته وجلالة قدره بما أنه كلام لله تعالى وبما يشتمل عليه من المعارف رجاء أن يتفكر فيه الناس فيتلقوا القرآن بما يليق به من التلقي ويتحققوا بما فيه من الحق الصريح ويهتدوا إلى ما يهدي إليه من طريق العبودية التي لا طريق إلى كمالهم وسعادتهم وراءها، ومن ذلك ما ذكر في الآيات السابقة من المراقبة والمحاسبة.[7]

4- الشيخ الصادقي:

حيث قال:

«لو» توحي باستحالة مدخوله حيث الجبل ما دام جبلا ليس ليعى القرآن، فلو كان يعي القرآن ويعرف البيان لخشع في سماعه قلبا وقالبا، ولتصدّع من عظم شأنه على غلظ أجرامه وخشونة أكنانه، فالإنسان الواعي أحق بذلك وأحرى، إذ كان واعيا لقوارعه، عارفا ببوارعه، عالما بصوادعه، فيا للإنسان غير الخاشع ولا المتصدع من قلب قاس دون حراس ولا اكتراس:

«ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» (2: 74) فما أعجب وأحرى حال أهل المشاقة والعناد، وما أكثرهم من عتاد، لا تلين قلوبهم لذكر اللّه، فلا يخشون ولا يخشعون! {فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى‏ ذِكْرِ اللَّهِ} (39: 23) فالذين يحسون ويلمسون شيئا من مس القرآن في كيانهم، هؤلاء يتذوقون تلك الحقيقة المشعة التي لا يعبر عنها إلا هذا النص القرآني المجيد، فإن لهذا القرآن سلطانا على القلوب غير المقلوبة، لا تثبت له إلا أن تتفتت وتهتز هزات وتحوّلات لا قبل لها، يحوّلها عن قلب التراب إلى مجلى أسماء وصفات رب الأرباب، تخلية لها عما سواه، فتجلية باللّه، {وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} فيتذكرون بها لما يتوجب عليهم أن يكونوا وجاه هذا القرآن.[8]

هذه المجموعة من العلماء والمفسرين التي قد أيدت التفسير الثاني أما التفسير الأول فله مؤيدون أيضاً وإن كانوا أقل.

عدم استضعاف أهل القرآن:

على مر التاريخ المتفرغون للقرآن وحفظه وتدويده هم من الفقراء والمساكين الذين أكرمهم الله بحمل القرآن وقراءته وعوضهم عما زواه عنهم من زبرجة الدنيا ومتاعها فلهذا ينظر البعض لهؤلاء بالازدراء والاستضعاف لذا ورد النهي بعدم استضعافهم فعَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِنَّ أَهْلَ الْقُرْآنِ فِي أَعْلَى دَرَجَةٍ مِنَ الْآدَمِيِّينَ مَا خَلَا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ فَلَا تَسْتَضْعِفُوا أَهْلَ الْقُرْآنِ حُقُوقَهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ لَمَكَاناً عَلِيّاً[9]

القرآن والشاب المؤمن:

أقرب الأشخاص تأثراً بالقرآن هو الشاب المؤمن وعليه فينبغي لشبابنا أن يكون القرآن ربيع قلوبهم وأن يهتموا بحفظه ومدارسته وتجويده وقراءته وتثبيته؛ فعَنْ مِنْهَالٍ الْقَصَّابِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَهُوَ شَابٌّ مُؤْمِنٌ اخْتَلَطَ الْقُرْآنُ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ وَجَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَكَانَ الْقُرْآنُ حَجِيزاً عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّ كُلَّ عَامِلٍ قَدْ أَصَابَ أَجْرَ عَمَلِهِ غَيْرَ عَامِلِي فَبَلِّغْ بِهِ أَكْرَمَ عَطَايَاكَ قَالَ‏ فَيَكْسُوهُ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ حُلَّتَيْنِ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْكَرَامَةِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ هَلْ أَرْضَيْنَاكَ فِيهِ فَيَقُولُ الْقُرْآنُ يَا رَبِّ قَدْ كُنْتُ أَرْغَبُ لَهُ فِيمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا فَيُعْطَى الْأَمْنَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِيَسَارِهِ ثُمَّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَاصْعَدْ دَرَجَةً ثُمَّ يُقَالُ لَهُ هَلْ بَلَغْنَا بِهِ وَأَرْضَيْنَاكَ فَيَقُولُ نَعَمْ

قَالَ وَمَنْ قَرَأَهُ كَثِيراً وَتَعَاهَدَهُ بِمَشَقَّةٍ مِنْ شِدَّةِ حِفْظِهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَجْرَ هَذَا مَرَّتَيْنِ[10]

حامل القرآن والأخلاق:

الحديث عن حامل القرآن والمسؤولية في التقيد بالقرآن وتعاليمه هو حديث عن الداعية إلى الله وتحمله للأمانة التي أعطاها الله إياها للحفاظ عليها وإيصالها لأهلها... هو الحديث عن العلماء الذين جعلوا القرآن هو محور دارستهم كمصدر أولي للشريعة الإسلامية وفهمه وتفسيره؛ فعَنْ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِالتَّخَشُّعِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ لَحَامِلُ الْقُرْآنِ، وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَحَامِلُ الْقُرْآنِ. ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ.

يَاحَامِلَ الْقُرْآنِ تَوَاضَعْ بِهِ يَرْفَعْكَ اللَّهُ وَلَا تَعَزَّزْ بِهِ فَيُذِلَّكَ اللَّهُ.

يَا حَامِلَ الْقُرْآنِ تَزَيَّنْ بِهِ لِلَّهِ يُزَيِّنْكَ اللَّهُ بِهِ، وَلَا تَزَيَّنْ بِهِ لِلنَّاسِ فَيَشِينَكَ اللَّهُ بِهِ، مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فَكَأَنَّمَا أُدْرِجَتِ النُّبُوَّةُ بَيْنَ جَنْبَيْهِ وَلَكِنَّهُ لَا يُوحَى إِلَيْهِ وَمَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ فَنَوْلُهُ لَا يَجْهَلُ مَعَ مَنْ يَجْهَلُ عَلَيْهِ وَلَا يَغْضَبُ فِيمَنْ يَغْضَبُ عَلَيْهِ وَلَا يَحِدُّ فِيمَنْ يَحِدُّ وَلَكِنَّهُ يَعْفُو وَيَصْفَحُ وَيَغْفِرُ وَيَحْلُمُ لِتَعْظِيمِ الْقُرْآنِ، وَمَنْ أُوتِيَ الْقُرْآنَ فَظَنَّ أَنَّ أَحَداً مِنَ النَّاسِ أُوتِيَ أَفْضَلَ مِمَّا أُوتِيَ فَقَدْ عَظَّمَ مَا حَقَّرَ اللَّهُ وَحَقَّرَ مَا عَظَّمَ اللَّهُ[11]

الحال المرتحل:

عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (ع) أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ.

قُلْتُ: وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ؟.

قَالَ: فَتْحُ الْقُرْآنِ وَخَتْمُهُ كُلَّمَا جَاءَ بِأَوَّلِهِ ارْتَحَلَ فِي آخِرِهِ.

وَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَرَأَى أَنَّ رَجُلًا أُعْطِيَ أَفْضَلَ مِمَّا أُعْطِيَ فَقَدْ صَغَّرَ عَظِيماً وَعَظَّمَ صَغِيراً[12]

القرآن والغنى:

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع) مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَهُوَ غَنِيٌّ وَلَا فَقْرَ بَعْدَهُ وَإِلَّا مَا بِهِ غِنًى[13]

عرفاء أهل الجنة:

عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): حَمَلَةُ الْقُرْآنِ عُرَفَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالْمُجْتَهِدُونَ قُوَّادُ أَهْلِ الْجَنَّةَ وَالرُّسُلُ سَادَةُ أَهْلِ الْجَنَّةَ[14]

القرآن وصحة النظر:

عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ رَفَعَهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي الْمُصْحَفِ مُتِّعَ بِبَصَرِهِ وَخُفِّفَ عَنْ وَالِدَيْهِ وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ[15]

القرآن يطرد الشيطان:

عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: إِنَّهُ لَيُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ مُصْحَفٌ يَطْرُدُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ الشَّيَاطِينَ[16]

ثلاثة يشكون إلى الله:

عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: ثَلَاثَةٌ يَشْكُونَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَسْجِدٌ خَرَابٌ لَا يُصَلِّي فِيهِ أَهْلُهُ، وَعَالِمٌ بَيْنَ جُهَّالٍ، وَمُصْحَفٌ مُعَلَّقٌ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْغُبَارُ لَا يُقْرَأُ فِيهِ[17]

القرآن وحسن الصوت:

عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ص) أَحْسَنَ النَّاسِ صَوْتاً بِالْقُرْآنِ وَكَانَ السَّقَّاءُونَ يَمُرُّونَ فَيَقِفُونَ بِبَابِهِ يَسْمَعُونَ قِرَاءَتَهُ وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع) أَحْسَنَ النَّاسِ صَوْتاً[18]

مدة قراءة القرآن في غير شهر رمضان:

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ قَالَ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ تَقْرَأَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ[19]

مدة قراءة القرآن في شهر رمضان:

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي لَيْلَةٍ. فَقَالَ: لَا.

قَالَ: فَفِي لَيْلَتَيْنِ: قَالَ: لَا.

قَالَ: فَفِي ثَلَاثٍ. قَالَ: هَا، وَأَشَارَ بِيَدِهِ.

ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ لِرَمَضَانَ حَقّاً وَحُرْمَةً لَا يُشْبِهُهُ شَيْ‏ءٌ مِنَ الشُّهُورِ، وَكَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله يَقْرَأُ أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ أَوْ أَقَلَّ، إِنَّ الْقُرْآنَ لَا يُقْرَأُ هَذْرَمَةً وَلَكِنْ يُرَتَّلُ تَرْتِيلًا؛ فَإِذَا مَرَرْتَ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ فَقِفْ عِنْدَهَا وَسَلِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ، وَإِذَا مَرَرْتَ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ فَقِفْ عِنْدَهَا وَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ.

ووفي رواية أخرى: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ سَأَلَ أَبُو بَصِيرٍ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) وَأَنَا حَاضِرٌ فَقَالَ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ فَقَالَ لَا فَقَالَ فِي لَيْلَتَيْنِ فَقَالَ لَا حَتَّى بَلَغَ سِتَّ لَيَالٍ فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَقَالَ هَا ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ (ص) كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ وَأَقَلَّ إِنَّ الْقُرْآنَ لَا يُقْرَأُ هَذْرَمَةً وَلَكِنْ يُرَتَّلُ تَرْتِيلًا إِذَا مَرَرْتَ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ وَقَفْتَ عِنْدَهَا وَتَعَوَّذْتَ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ

فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ فِي لَيْلَةٍ فَقَالَ لَا فَقَالَ فِي لَيْلَتَيْنِ فَقَالَ لَا فَقَالَ فِي ثَلَاثٍ فَقَالَ هَا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَعَمْ شَهْرُ رَمَضَانَ لَا يُشْبِهُهُ شَيْ‏ءٌ مِنَ الشُّهُورِ لَهُ حَقٌّ وَحُرْمَةٌ أَكْثِرْ مِنَ الصَّلَاةِ مَا اسْتَطَعْتَ[20]

أدب القرآن في الخطاب:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ‏بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِإِيَّاكِ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَةُ[21]

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ مَعْنَاهُ مَا عَاتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ عَلَى نَبِيِّهِ (ص) فَهُوَ يَعْنِي بِهِ مَا قَدْ مَضَى فِي الْقُرْآنِ مِثْلُ قَوْلِهِ {وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا} عَنَى بِذَلِكَ غَيْرَهُ[22]

تأثير القرآن على رسول الله:

عَنْ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ (ع) اقْرَأْ قُلْتُ مِنْ أَيِّ شَيْ‏ءٍ أَقْرَأُ قَالَ مِنَ السُّورَةِ التَّاسِعَةِ.

قَالَ فَجَعَلْتُ أَلْتَمِسُهَا فَقَالَ: اقْرَأْ مِنْ سُورَةِ يُونُسَ.

قَالَ: فَقَرَأْتُ {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى‏ وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ}

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) إِنِّي لَأَعْجَبُ كَيْفَ لَا أَشِيبُ إِذَا قَرَأْتُ الْقُرْآنَ؟.[23]

وفي [الخصال‏] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْرَعَ إِلَيْكَ الشَّيْبُ‏

قَالَ: شَيَّبَتْنِي هُودٌ، وَالْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلَاتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ[24]

وفي كتاب أَسْرَارُ الصَّلَاةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) لِابْنِ مَسْعُودٍ اقْرَأْ عَلَيَّ.

قَالَ فَفَتَحْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ فَلَمَّا بَلَغْتُ فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى‏ هؤُلاءِ شَهِيداً رَأَيْتُ عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ مِنَ الدَّمْعِ فَقَالَ لِي حَسْبُكَ الْآنَ.

وَقَالَ (ص) اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ وَلَانَتْ عَلَيْهِ جُلُودُكُمْ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَلَسْتُمْ تَقْرَءُونَهُ[25]

درجات الجنة على عدد آيات القرآن:

عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنِ الصَّادِقِ (ع) أَنَّهُ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّهَا، وَإِيَّاكُمْ وَمَذَامَّ الْأَفْعَالِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبْغِضُهَا، وَعَلَيْكُمْ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ عَلَى عَدَدِ آيَاتِ الْقُرْآنِ؛ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْقَ، فَكُلَّمَا قَرَأَ آيَةً رَقَا دَرَجَةً، وَعَلَيْكُمْ بِحُسْنِ الْخُلُقِ فَإِنَّهُ يَبْلُغُ بِصَاحِبِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ، وَعَلَيْكُمْ بِحُسْنِ الْجِوَارِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِذَلِكَ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ فَإِنَّهَا مَطْهَرَةٌ، وَسُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَعَلَيْكُمْ بِفَرَائِضِ اللَّهِ فَأَدُّوهَا، وَعَلَيْكُمْ بِمَحَارِمِ اللَّهِ فَاجْتَنِبُوهَا[26]

وفي كتاب عُدَّةُ الدَّاعِي، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ (ع) يَقُولُ آيَاتُ الْقُرْآنِ خَزَائِنُ الْعِلْمِ فَكُلَّمَا فَتَحْتَ خِزَانَةً فَيَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْظُرَ فِيهَا[27]

هذه مجموعة قليلة من الأحاديث التي تتحدث عن فضل القرآن وعظمته والاهتمام به وقد جمعها العلامة المجلسي في مجلد 89 و90 من كتابه البحار بلغت 130 باباً والحر العاملي في وسائل الشيعة جمع الأحاديث في المجلد 6 من كتاب الصلاة بلغت أكثر من 265 حديثاً في 51 باباً من أبواب قراءة القرآن وفي موسوعة كتاب جامع أحاديث الشيعة في المجلد 19 ذكر فيه قرابة 519 حديثاً حول القرآن وما يتعلق به.

إن هذا العدد الضخم من الروايات حول القرآن الكريم لجدير بالإنسان أن يستفيد منه ويعظمه كما عظمه الله ورسوله وأهل بيته الذين هم عدله وقرناؤه وهما الثقلان اللذان تركهما رسول الله صلى الله عليه وآله في أمته.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين


--------------------------------------------------------------------------------

[1] الكافي ج: 3 ص: 422 في الصحيح عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي خُطْبَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.

[2] بحار الأنوار ج : 89 ص : 19.

ورواه الترمذي والدارمي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ...... وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه. سنن الترمذي ج5/ص169 حديث 2926 وسنن الدارمي ج2/ص533 رقم 3356

كما رواه الدارمي أيضاً عن شهر بن حوشب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه. سنن الدارمي ج2/ص533 رقم 3357 .

[3] سنن الدارمي ج 2 ص 526 حديث 3331 كتاب فضائل القرآن . كما رواه الترمذي في الجامع الصحيح ج 5 ص 158حديث 2906 كتاب فضائل القرآن مع اختلاف يسير. ورواه العياشي في تفسيره وهو الحديث 2 من أول الكتاب ج 1 ص 75 طبع مؤسسة البعثة في قم عن الحارث الهمداني قريب مما رواه الترمذي والدارمي.

[4] بحار الأنوار ج : 89 ص : 19

[5] تفسير القرآن المجيد، ص: 525

[6] التبيان في تفسير القرآن، ج‏9، ص: 573

[7] الميزان في تفسير القرآن، ج‏19، ص: 221

[8] الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن، ج‏28، ص: 259

[9] الكافي ج : 2 ص : 603

[10] كافي ج : 2 ص : 604

[11] الكافي ج : 2 ص : 605

[12] الكافي ج : 2 ص : 605

[13] الكافي ج : 2 ص : 605

[14] الكافي ج : 2 ص : 606

[15] الكافي ج : 2 ص : 613

[16] الكافي ج : 2 ص : 613

[17] الكافي ج : 2 ص : 613

[18] الكافي ج : 2 ص : 616

[19] الكافي ج : 2 ص : 617

[20] الكافي ج : 2 ص : 619

[21] الكافي ج : 2 ص : 631

[22] الكافي ج : 2 ص : 631

[23] الكافي ج : 2 ص : 632

[24] بحار الأنوار ج : 89 ص : 199

[25] بحار الأنوار ج : 89 ص : 216

[26] بحار الأنوار ج : 89 ص : 197

[27] بحار الأنوار ج : 89 ص : 216