هذه الآيات الكريمات, فيها فضل الشهداء وكرامتهم, وما من الله عليهم به, من فضله وإحسانه. وفي ضمنها تسلية الأحياء عن قتلاهم, وتعزيتهم, وتنشيطهم للقتال في سبيل الله, والتعرض للشهادة فقال: " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ " أي: في جهاد أعداء الدين, قاصدين بذلك إعلاء كلمة الله. " أَمْوَاتًا " أي: لا يخطر ببالك وحسبانك, أنهم ماتوا وفقدوا, وذهبت عنهم لذة الحياة الدنيا, والتمتع بزهرتها, الذي يحذر من فواته, من جبن عن القتال, وزهد في الشهادة. " بَلْ " قد حصل لهم أعظم مما يتنافس فيه المتنافسون. فهم " أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ " في دار كرامته. ولفظ "عند ربهم" يقتضي علو درجتهم, وقربهم من ربهم. " يُرْزَقُونَ " من أنواع النعيم, الذي لا يعلم وصفه, إلا من أنعم به عليهم. ومع هذا صاروا " فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ " أي: مغتبطون بذلك. وقد قرت به عيونهم, وفرحت به نفوسهم, وذلك لحسنه, وكثرته, وعظمته, وكمال اللذة في الوصول إليه, وعدم المنغص.

"فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ "
فجمع الله لهم, بين نعيم البدن بالرزق, ونعيم القلب والروح, بالفرح بما آتاهم من فضله: فتم لهم النعيم والسرور, وجعلوا " وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ " أي: يبشر بعضهم بعضا, بوصول إخوانهم الذين لم يلحقوا بهم, وأنهم سينالون ما نالوا. " أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " أي: يستبشرون بزوال المحذور عنهم, وعن إخوانهم المستلزم كمال السرور.

[b]